جدل الديني والسياسي من أشد قضايا الاختلاف توتراً، حيث يتجدد الصراع بشأنها كلما انتقل من ميدان المفاهيم والفلسفة التي لم تحسم إلى المجالات الاجتماعية، ويتجدد النزاع كلما نوقشت آليات الضبط الاجتماعي من أبعاد معرفية خاصة لتعمم على ثقافات وبيئات مختلفة، وأكثر ما يكون حساسية حينما يتعلق بالممارسات التعبدية في المجتمعات الحديثة ، فكيف نفهم أبعاد المشكلة في ذلك؟
وظيفة الطقوس والشعائر
الطقوس والشعائر تشير إلى «المقدس» كقوة متجاوزة فرضت نفسها على الذات ، ومساحة لا ينبغي لها أن تنتهك -أي تصبح مدنسة- بسبب تهديد العواقب الوخيمة، وهو ليس مجرد عدد من المظاهر المباشرة؛ بل هو نوع من القواعد –التصورات والتحريمات والممنوعات– التي تحدد شكل السلوك..
- تشكلات العلماني في المسيحية والحداثة والإسلام، ص: 47-51
نفهم الطقوس الدينية بأنها مجموعة من السلوكيات التي تكرر بانتظام، وتخدم كرمز قيمة ومعتقداً ما، فهي تعبير معلن عن الإيمان المضمر، وتعمل على تذكير المؤمنين بمعتقداتهم، وتجسدها للمجتمع.
فهي تتضمن مشهدا أو أداءً، وتسري جميعها بنمط معين يجعلها مختلفة عن سير الحياة العادية، وهي بمختلف أشكالها تدور حول محور «السلطة»؛ فهي أداة تنتمي إلى التقاليد، ووسيلة تستخدمها قوى شديدة القدرة للحفاظ على اصطفاف الناس في خط معين، والأثر المنشود من طابع هذه السلطة هو شعور المشاركين بأنهم جزء من شيء أكبر، بل وأكبر من الحياة نفسها، كما أنها تتسم بطابع التمايز، فالناس يفعلون في الطقوس أشياء غير عادية أو يقومون بالأشياء العادية بكيفيات غير عادية.
- كيف تفكر كأنثروبولوجي، ماثيو أنجيلكه، ص: 208- 209 / مقدمة في علم الاجتماع، جورج ريتز: 46
توحد المعتقدات المعبر عنها بالطقوس والشعائر جماعة الممارسين لها، وتؤمّن الاندماج في الجماعة بتقوية الوعي الجمعي، أي المعتقدات المشتركة بين الأفراد .. وتقدم معياراً تصورياً للسلوك البشري الفعلي.
- سوسيولوجيا الدين: مقاربات منشقة، إروان ديانتايل / مايكل لووي، ص: 199-200
والطقوس هي وعاء لـ«القداسة» التي تتضمن معان لا توجد في هذا العصر إلا فيها، ومن ذلك الشعور بالوجود في حياة أكثر اتساعاً من الحياة المتمحورة حول اهتمامات هذا العالم التافهة والأنانية ، والإحساس بتواصل القوة العليا المطلقة مع حياتنا الخاصة على نحو ودود، والاستسلام الطوعي لسيطرتها، ومنها شعور غامر بالحرية والابتهاج..
- تنويعات التجربة الدينية، وليم جيمس، 319-321
والشعائر هي المفهوم الإسلامي لممارسات التعبد التي تأخذ طابع الإعلان والجماعية ، فهي كل ما جُعل علماً لطاعة الله عز وجل، و «شعائر الله» هي جميع متعبداته التي أشعرها الله أي جعلها إعلاماً لنا وتدل على معنى التعبد.
- تفسير المنار، محمد رشيد رضا، 2/ 31-32
فمظهر العبادة الشعائري يتمثل في ممارسات ترمز إلى أشكال الحب والطاعة التي يعبد بها الإنسان الخالق.
وأداء الشعائر واستخدام الجوارح في أدائها والدوام على هذا الأداء الحسي أمور يقوم عليها جوهر التدين، لكن ليست هذه الأمور مطلوبة لذاتها، فذلك لا يتفق مع المقصد الشرعي لها، إذ الغرض من الشعيرة ليس هو الشعيرة نفسها، وإنما ما يتركه أداؤها من آثار مخصوصة في القائم بها تنقله من الحال التي هو عليها إلى حال أخرى تفضُلها، وبذلك تكون هذه الشعائر معقولة لا بظواهرها، وإنما بآثارها، ومقتضى هذه المعقولية هو القابلية للمشاهدة والمقارنة والتحليل والاستنتاج.
- سؤال الأخلاق، طه عبدالرحمن، ص: 52
الدين والعلمانية والمجال العام
العلمانية مفهوم مركزي في صيرورة الحداثة ودولتها، حيث ظهرت ثلاث جوانب أساسية ولازمة لتطور الحداثة: 1- زيادة التمييز الهيكلي بين المساحات الاجتماعية الناتجة عن فصل الدين عن السياسة والاقتصاد والعلوم ..، 2- خصخصة الدين في المجال الخاص به، 3- انحدار الأهمية الاجتماعية للاعتقاد الديني والالتزام به، وكذلك المؤسسات الدينية.
فلكي يصبح المجتمع حديثاً ينبغي له أن يكون علمانياً، ولكي يكون علمانياً يجب أن ينحي الدين بعيداً إلى المساحات غير السياسية.
بل إن تبلور مفهوم «المجتمع» الحديث ظهر باعتباره مساحة علمانية قابلة للتنظيم، وذلك بالضبط هو ما جعل من الممكن للدولة أن تراقب وأن تيسر التحول المادي والمعنوي غير المنقطع لـ«جميع» سكانها الوطنيين من خلال إعادة تعريف جدارة الدين، وأصبح ما نطلق عليه «الاجتماعي» هو ذلك الذي يضم كل الفضاء العلماني الذي نميزه مفهومياً عن متغيرات مثل «الدين» و«الدولة» و«الاقتصاد الوطني»..
- تشكلات العلماني في المسيحية والحداثة والإسلام، طلال أسد، ص: 203- 204/ 213-214
وتتجسد إرادة الأمة/المجتمع من خلال الدولة العلمانية، وهي دولة مطلقة، نهائية في حد ذاتها، مرجعيتها مكتفية بذاتها، ولا تشير إلا إلى ذاتها، ولا يمكن محاكمتها من أي منظور أخلاقي، وهي المطلق الذي يتجاوز كل شيء تجاوزه، ويتحول «الصالح العام» (بحسب ما يسميه القائمون عليها) إلى الهدف النهائي من حركة المجتمع ومن نشاط كل أعضائه.
- العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، عبدالوهاب المسيري، 1/142
و تقوم علمنة المجتمع على عملية التميز الوظيفي، حيث يصبح الدين نظاماً فرعياً إلى جانب نظم فرعية أخرى، فليست العلمنة إلا نتاج لعملية عامة من التميز الوظيفي في النظام الفرعي الديني، فالمجتمعات الحديثة في واقع الأمر هي متمايزة عبر خطوط وظيفية.
- المرجع في سوسيولوجيا الدين، تحرير: بيتر كلارك، 2/903
ولقد أصبحت فكرة الدولة التحويلية إحدى السمات الأساسية التي شكلت العالم الحديث، حيث تعمل على التأثير في كيفية موضعة الناس لأنفسهم على خرائط الأهمية وعلى محتوى وترتيب الرموز والقواعد التي تحدد ما الذي يحمل الأهمية القصوى..، فاستهدفت دولة الحداثة فرض حالة من التماثل المطلق والموحد على الحياة الاجتماعية ضمن حدودها، وتطلبت الطاعة الكاملة حتى في أكثر المجالات شخصية من التفاعل الاجتماعي، وامتد إلى ادعائها أحقيتها في الوعي الجمعي –أي في هوية الأمة– من خلال ممارساتها.
- الدولة في المجتمع، جويل س. مجدال، ص: 161، 307، 343
ويرى هايبرماس –الذي بنى مفهوم المجال العام– أن حركة التحديث أسفرت عن وجود حيز مستقل من المعرفة العلمانية حصر الدين في مسألتي المعنى والهدف..، ويقيم رؤيته عن الدين بوصفه لعنة على الخطاب النقدي العقلاني، ومرد ذلك إلى تفسير الدين بوصفه ظاهرة توحيدية ومتشيّئة.
- المرجع في سوسيولوجيا الدين، 2/ 159-160
فالسمة المميزة للحداثة بحسب وصف هايبرماس هو استعمار النسق العقلاني لعالم الحياة، فالمنتج النهائي سيكون عبارة عن مجتمع عقلاني بالكامل.
ويدعو هو وغيره إلى تغيير التفكير العام بجعل الإيمان والدين غير منظورين في الحياة العامة، وتحويلهما إلى أشكال من التنظيم للرابطة الاجتماعية في هيئة «ثقة» و«أخلاق»، وذلك في محاولات لـ«إصلاح» مفهوم الإيمان وإعادة صياغته في شكل من أشكال الفكر العلماني.
- المجال العام: الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام، أرماندو سالفاتوري، ص: 367 – 368
فالعلماني يقر بأن المشاعر والمعتقدات الدينية قد تكون مقبولة على المستويين الشخصي والخاص، لكنه يصر في الوقت ذاته على أن الدين المنظم المستند في الأساس إلى السلطة والقيود، قد مثل طوال الوقت خطراً على الذات وعلى حرية الآخرين.
- تشكيلات العلماني في المسيحية والحداثة والإسلام، 208-209
ينتهي نزع القداسة الدينية عن الحياة –وفقاً لهايدجر- إلى أن يصبح البشر موجودين باعتبارهم «وقفاً احتياطياً» مدفوعاً بمطالب تكنولوجية من أجل تحقيق الفاعلية داخل «إطار متأصل» نزع منه المقدس المتعالي، وأجبر على الاستسلام لخصائص/وإمكانية أي مطلب وضع اعتماداً على الفاعلية
- سوسيولوجيا المقدس: الدين والتجسيد والتغيير الاجتماعي، فيليب ميلور وكريس شلنج: 53
تنازع وتزاحم
غدا واضحاً سبب ضيق الأيديولوجية العلمانية بالشعائر التعبدية، فمفهوم العبادة في الإسلام اشتمل على ثلاثة مظاهر: مظهر شعائري ومظهر اجتماعي، ومظهر كوني، وهذه المظاهر تنبعث أصالة ولوهلتها الأولى من مجرد الممارسة العلنية، وهي ليست متتابعة ولا يوجد بينها فواصل تتمايز عليها، فما إن يتحقق المظهر الشعائري بوصفنا السابق حتى يتجلى منه المظهرين الآخرين.
- فلسفة التربية الإسلامية، ماجد عرسان الكيلاني: 93-95
فالمظهر الاجتماعي موضوعه الثقافة والقيم والعادات والتقاليد والنظم ..، وتؤدي فيه الشعائر وظيفة غير شعورية ومنهجية ونفسية على نحو عميق، تضع أسساً لتحقيق الالتزام الطوعي لكل أحكام المعاملات الدنيوية التي تظهر في النطاق الاجتماعي، فهي وسائل الوصول للأخلاق التي مقصدها تدريب منظم على الحياة وفق منظومة من الأخلاق والآداب لتنتج فرداً جاهزاً وقادراً على الاندماج في الحياة القويمة.
- وائل حلاق؛ الدولة المستحيلة :219- 220، 240 / القران والشريعة نحو دستورية إسلامية جديدة :115
و«المظهر الكوني» هو مؤدى المظهرين السابقين في اكتشاف القوانين التي تنظم الكائنات الحية والطبيعية واكتشاف خصائصها، فالعبادات ليست محصورة في أعمال من الخشوع الخالص، ولكنها تتناول كل حياة الإنسان العملية أيضاً، وإذا كانت الغاية من حياتنا على العموم عبادة الله فيلزمنا حينئذ أن ننظر إلى هذه الحياة -في مجموع مظاهرها كلها- على أنها تبعة أدبية متعددة النواحي.
فالشعائر تذكرنا دائماً أن عبادة الله الدائمة؛ والمتمثلة في أعمال الحياة الإنسانية المتعددة جميعاً هي معنى هذه الحياة نفسها، وعلى ذلك يستحيل أن تنقسم حياتنا إلى قسمين اثنين: حياتنا الروحية، وحياتنا المادية..
- الإسلام على مفترق الطرق، محمد أسد، 23-24
وهنا تظهر المشكلة أمام صيرورة علمنة الحياة العامة وشموليتها؛ في تجاوز الشعائر للحدود الاجتماعية القائمة على الصيغ التعاقدية لتعتمد على الفكرة الدينية ذات الصبغة المتعالية المقدسة، وهي ذات أكبر من الموضوعات وأكبر من الأفراد، وهي تمثل بذلك الدور الأكبر في عملية الوساطة في تكوين العلاقات الاجتماعية وتكوين أشكال السلطة.
فـ«الفكرة المتعالية» تجسد التوتر بين العالم المادي والعالم المتعالي، كما تؤسس لأساليب غير مادية للقوة تنظم علاقة الذات بالآخر وتنظم شبكة العلاقات في المجتمع.
وحينها يأتي العالم المادي في مرتبة ثانية في نظر المجتمع، ويظهر النظام المقدس الذي يشكل نظام الروح التي تتجه للنجاة ليمثل عالماً قائماً بذاته وهو يحدد مجال النظام الثاني «المادي».
- المجال العام: الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام، ص: 109 – 115
فالشعائر وهي تُعلَن في المجال العام تذكر وتؤكد على الدوام الفهم الشامل للدين: أولاً- باعتباره مرجعية، وثانياً- باعتباره مصدراً لمنظومة القيم الأساسية، وثالثاً- باعتباره مشكلاً للسلوك والعلاقات.
- الزحف غير المقدس: تأميم الدولة للدين، سيف الدين عبدالفتاح، 40- 41
إذا تبين ما سبق يصبح من الواضح أن النزاع هو على من له الحق في وضع القواعد التي توجه سلوك الناس الاجتماعي، فالشعائر بحضورها المعلن والمتكرر في النظام الاجتماعي «الحديث» تجهض على الدوام احتكار الأيديولوجيا العلمانية للقيم والمعايير الموجهة للمجتمع، وتبعث «الإله الخفي» داخل الإنسان ذو البعد الواحد، والإله الخفي مرادف لمعنى «الضمير» كما قال المسيري، وهو يعني أن ثمة شيء ما غير مادي كامن في الإنسان يدفعه نحو الخير، وبتجاهله يشعر بالذنب، وهو يستند إلى العنصر الروحي «القبس الإلهي والنزعة الربانية» داخل الإنسان.
فالإله الخفي ما هو إلا البحث غير الواعي للإنسان المادي عن المقدس في الحتميات العلمانية الحديثة، بعد أن تصور أنه قد قتل الإله، وأسس عالماً زمانياً مكانياً لا قداسة ولا محرمات فيه، وفي ظروف معينة ، تفضحه أقواله وأفعاله وبشكل غير مباشر وغير واع، وتشي بوجود شيء ما في أعماقه يتناقض والإطار المادي الذي يتبناه، وأقوى هذه الظروف هي الشعائر التي يتلقاها بحواسه وتسري إلى وجدانه لتبعثر قوى المادة في داخله.
- رحابة الإنسانية والإيمان، عبدالوهاب المسيري: 78- 79
نحو فض الاشتباك
إذا كان جدل إظهار الشعائر الدينية هو رأس جبل الجليد فلا بد من الإصلاح من قاعدة الجبل، وذلك بمراجعة القواعد المؤسسة لهذه المفاهيم المتصارعة، ونشير إلى بعضها:
إن محاولات تجريد العلمانية وأخواتها من التجربة التاريخية الغربية، ومن ثم الخصوصية الغربية، وإعطائها صفة المبادئ الكونية هو دخول في طور جديد من الكولونيالية، فإعطاء تلك المبادئ صفة الكونية الكوكبية على النهج الذي راحت العولمة تقدم من خلاله قيمها وثقافتها هو تنازل انهزامي عن الهوية الحضارية والخصوصية الثقافية.
إذا كانت كل المجتمعات القائمة بالتحديث قد عمدت إلى نسخ سيرورة التغير الاجتماعي والسياسي الغربية؛ فإن العلمانية المستقرة هي علمانية الدنيوية الخالصة المكتفية بذاتها، القائمة على «الإطار الحلولي» على حد وصف تشارلز تايلور، وهي علمانية حلولية خالصة خالية من التجاوز، «فتعمل وكأن الإله غير موجود»، ويرى تايلور أنها هي التي تشكل النموذج المعرفي لعصرنا بوصفة عصراً علمانياً.
- إعادة النظر في العلمانية، كريغ كالهون وزملاءه، 85-86
تتعرض العلمانية لمراجعات حادة في الغرب، وقد أقر بعضهم أن أغلب مناقشات هذا المفهوم هي مناظرات علمانية مسيحية غربية داخلية، فالعلماني نشأ أول ما نشأ كفئة دينية مسيحية، وحذروا من رفع هذه العملية التاريخية المقيدة بظروف خاصة إلى مستوي النموذج التاريخي العالمي العام.
- إعادة النظر في العلمانية، 107
ويشير طلال أسد أن العلمانية كانت مفهوماً له أماكن جغرافية وتاريخية خاصة، وله نماذج تصدير معينة، كانت أولاً من أوروبا وبعد ذلك من أمريكا.
استناداً إلى ما أشرنا له من المراجعات حول العلمانية؛ فهذا يعكس الأزمة التي يمر بها المفهوم شأنه شأن السرديات الكبرى التي تتعرض للاهتزاز العنيف في هذا العصر، فالمنظرون السياسيون الحزبيون والمفكرون البارزون والأكاديميون، مؤيدون ومعارضون؛ يتفقون على أنها تواجه خطراً داخلياً، وأن الهيكل الفكري لها غير متقن البناء، وأنه معيب في بنائه المعياري ..، بل إن العلمانية الليبرالية في تطبيقاتها الاجتماعية تواجه أزمة داخلية عميقة في المجتمعات الغربية، وذلك بدخولها في البربرية بسبب التصاعد الخطير في تفكك الروابط العائلية والإنسانية.
- إعادة النظر في العلمانية، 133 / اليمقراطية والعلمانية في التجربة الغربية، منير شفيق: 73
كل حجج العلمانية في إقصاء أي دور للدين فيما له علاقة بالشأن العام إنما ينطبق على الكنيسة المسيحية، فدعوى أن الدين يمثل مصلحة قطاع واحد في المجتمع هو الكنيسة، وأن بنيتها والقرارات فيها سلطوية، وأن المجتمع لم يكن كله ممثلاً فيها؛ كل ذلك صحيح بالنسبة للغرب وينطبق على الكنسية الكاثوليكية وأشباهها، كما أن حججاً أخرى من قبيل عدم تقرير الشأن العام بقيم نابعة من الدين بدعوى أنه مصدر غير جدير بالثقة، وأنه غير عقلاني وخرافي، ويقوم على الجزم بمقولات لا دليل عليها ، كل ذلك لا يتعلق بالشعائر الإسلامية ذات العقيدة المنسجمة مع الفطرة، والتي تسلم بصحة المعايير العقلية، وتستجيب للطرح العقلاني لمقولات أتباعها.
وإذا كان المفهوم العلماني للدين قائم على أنه الذي يجيب على سؤال كيف تحيا في ذاتك وتواجه هذه الذات، وليس إجابة على سؤال كيف تعيش في العالم مع الآخرين؛ فإن الإسلام على ذلك ليس مجرد دين -كما قال علي عزت بيجوفيتش- وإنما هو منهج حياة، فهو دعوة للتوحيد بين العقيدة والسياسة.
- التوحيد ومضامينه في الفكر والحياة، إسماعيل الفاروقي: 214-216 / الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزت بيجوفيتش: 264 / 272