فكر

قراءة في كتاب: النساء في التراجم الإسلامية

د. ملاك الجهني
1
منذ ٩ أشهر
تحرير: مهند الهويدي
مقال - قراءة في كتاب: النساء في التراجم الإسلامية

من لطيف ما كتبته ميْ زيادة في محاضرتها المنشورة عن الأديبة وردة اليازجية قولها: «لا تصدُق على هذه الشاعرة تهمة ألحقوها بالنساء وهي أن الرجال يكتبون لهن. بل كانت هي صاحبة أشعارها. وأكبر شاهد على ذلك أنهم كانوا بديًّا يزعمون أن أخويها حبيب وخليل ينظمون لها. فماتوا فرثتهم. فقال الناس: ولكن شقيقها الشيخ إبراهيم حيّ فهو ناظم المراثي باسمها. فتوفي الشيخ إبراهيم فرثته بأبياتٍ هي من خير شعرها في الصدق والأمانة!».

 

لم تدافع مي زيادة في النص السابق عن الفكرة الشائعة والقاضية بأن النساء المتميزات مثَّلن استثناء في المجالات التي برز فيها الرجال، بل دافعت ميْ عما هو أقل وأبسط من ذلك بكثير وهو حقيقة إبداعهن ووجودهن نفسه، فلم تكن تلكم النساء شخصيات وهمية أو منتحلة، وكانت اليازجية نموذجًا صالحًا للتدليل على فكرة ميْ، كما كانت عائشة التيمورية وقبلها ملك حفني ناصف تلك التي تلفعت زمنًا بلقب باحثة البادية كنَّ جميعًا نماذج معاصرة سبق وأن استدعتهن مي في بحوثها لذات الهدف، وربما لتدافع عن حقيقة إبداعها هي أيضاً.

 

إلا أن الباحثة الأمريكية روث رودد ذهبت إلى أبعد من ذلك وخرجت لنا بفكرة أخرى تتخطى أدلتها الحاجز العددي المتواضع لمي زيادة وغيرها من ممارسي الانتقائية الإيجابية في دفاعهم عن المرأة بالاستشهاد بنماذج نسائية متميزة يتخطفونها من هنا أو هناك.

 

ففي كتابها المؤلف بعنوان (النساء في التراجم الإسلامية) والذي أجرت فيه الباحثة مسحًا يكاد يكون شاملاً للتراجم النسائية معتمدة على منهج التحليل الكمي المتمخض عن نتائج كلية والخالي بطبيعة أطره الفنية من الانتقائية ببعديها الإيجابي والسلبي، في هذا الكتاب استهدفت الباحثة أمهات كتب التراجم الإسلامية بدءًا بأقدم معجم إسلامي للتراجم (طبقات ابن سعد) والذي جُمع بعد نحو قرنين من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، مرورًا بالمعاجم (القرنية)، وانتهاءً بالمعاجم المعاصرة.

 

وقد توصلت الباحثة في نهاية دراستها (المضنية) على حد وصفها إلى نتيجة تفيد بأن النسبة العددية للنساء اللائي تمتعن بأهمية دفعت بمدوني التراجم للترجمة لهن، هي نسبة أقل من النسبة العددية للرجال المترجم لهم، لكنها تنقض الفكرة القائلة أن النساء المذكورات في التراجم الإسلامية كُنَّ استثناءات من قاعدة هيمنة الذكر.

 

وقبل الخوض فيما أوردته روث رودد تحسُن الإشارة إلى أن الكتاب السالف الذكر والصادر عن دار جداول اللبنانية عام 2013م يقع في 295 صفحة من القطع المتوسط. وقد نقل الكتاب للعربية وقدم له وعلّق عليه الدكتور عبدالله العسكر. يُصنف الكتاب ضمن الدراسات الاستشراقية بمفهومها الأوسع من المفهوم الذي ذكره إدوارد سعيد في كتابه الاستشراق.

 

ورغم الموضوعية التي حاولت الباحثة التزامها إلى حدٍ بعيد والتي تفتقت عن نتائج مهمة وخادمة للرؤية الإسلامية فلم تشذ الباحثة عن منصفي المستشرقين في انطلاقهم من منظورين وضعي وعقلي في التعامل مع أحكام الإسلام الخاصة بالمرأة وغيرها. وقد سبق وأن تحدث عماد الدين خليل عن أثر ذلك المنظورين في دراسته لأعمال المستشرق الشهير مونتغمري وات حول السيرة النبوية بصفة وافية.

 

يضاف لذلك اعتماد الباحثة على التركة المعرفية التي خلفها أساطين المستشرقين المعروفين بتحيزاتهم المسبقة ضد الإسلام ديناً وحضارة أمثال كتب جولدزيهر (المعلم الأول في النقد الغربي للحديث) بحسب قولها، و هـ.أ.ر. جِب، الذي كان المحرك الرئيسي للباحثة نحو حقل التراجم الإسلامية [17، 140].

 

وليس في الإشارة لهذه المنطلقات التي تضع الكتاب في إطاره الفكري والحضاري الأصلي تبخيس من قيمة النتائج التي توصلت إليها الباحثة، والتي حاولت أن تتوخي فيها الموضوعية قدر المستطاع، إذ نفت الباحثة ذاتها وجود أي دافع ديني أو جنوسي أو إيديولوجي يقف خلف دراستها للتراجم الإسلامية بل مطلق الفضول العلمي، فقالت في مقدمة كتابها: «إنني لست مسلمة ولا أستدعي لهذا العمل عاطفة النسويات المسلمات اللاتي يدرسن التاريخ الإسلامي، والمراجع الثقافية من منطلق تأثيرها على حيواتهن. كما لا أشعر أنني مضطرة للدفاع عن سجل الإسلام حيال مكانة النساء، على الرغم من أنني مدركة تماماً أنه تم تصوير دور النساء في المجتمع الإسلامي التقليدي بصورة سلبية للغاية لا تبررها الحقيقة التاريخية. إنني غربية أحاول فهم دور المرأة في زمان وثقافة يختلفان عن ثقافتي وزماني، وليس بالضرورة أسوأ أو أفضل» [20].

 

وكانت رودد قد ذكرت في مطلع كتابها أيضًا أن الفضول العلمي الذي حركته المعلومات التي توصلت إليها أثناء بحوثها الجانبية عن تاريخ المرأة المسلمة زعزع الصورة الذهنية للمرأة المسلمة لديها وحملها على مواصلة البحث [17].

 

تُقابل رودد في كتابها بين الحضور النسائي في التراجم الإسلامية والحضور النسائي في المراجع الغربية التقليدية فيشدها ذلك الفارق الكبير بينهما، وتصرح بنتيجة تهدم أقاويل الفئة المتغربة والمستجلبة لإشكالات ثقافية وتاريخية لا تمت لثقافتنا ولا تاريخنا بصلة فتقول: «إذا ما كان المؤرخون الأمريكيون والأوروبيون يشعرون بالحاجة لإعادة بناء تاريخ النساء لأنهن غير ظاهرات في المراجع التقليدية، فإن العلماء المسلمين يواجهون وفرة من مواد المصادر التي تم البدء بدراستها» [19].

 

ولا تُخفي رودد دهشتها من تزييف التاريخ وتحميل الإسلام تبعة تهميش المرأة بقولها: «يُدهش المرء حين قراءته لآلاف تراجم النساء بالدليل الذي يتناقض مع مشاهدة المسلمات مهمشات، ويعانين من القيود المفروضة عليهن» [20].

 

كما لا تخفي دهشتها من بطلان التهم التي ألصقتها النسويات المنتميات للعالم الإسلامي بالفقهاء عمومًا وفقهاء العصر العباسي بخاصة مشيرة لأمانة أولئك الفقهاء بقولها: «من المدهش أن كثيرًا من الكتاب يروون معلومات عن نساء من مصادر أقدم من دون تعليق، على الرغم من الادعاء بأن العلماء المتشددين وفقهاء العصر العباسي المؤثر وما بعده انتقوا المصادر الإسلامية وحوروها وفسروها للإضرار بالنساء» [44].

 

توصلت رودد إلى أن نسبة وجود النساء في التراجم المؤلفة على مدى عدة قرون تراوحت مابين واحد وثلاث وعشرين بالمئة، ورأت أن نسبة تراجم النساء في المعاجم أقل بكثير من نسبة النساء بين السكان، لكنه أكثر مما نتوقعه من مجتمع يفترض أن النساء فيه لا يرين أو يسمعن [45].

 

تُخضع رودد دعاوى أصالة النظرة الدونية للمرأة في الثقافة الإسلامية والتي تم تحريفها لصالح الرجل لمبضع البحث فتبطل أولى تلك الدعاوى بإشارتها إلى أن السير المقدمة في التراجم للنساء المتفوقات تقدم بوصفها نماذج للرجال والنساء [199]. الأمر الذي يتسق مع النماذج النسائية المذكورة في القرآن والمقدمة للنساء والرجال على حد سواء كامرأة فرعون.

 

ومما توصلت إليه الباحثة في دراستها لتراجم العالمات والمحدثات ما ذكرته بقولها: «ينبغي التشديد أن النساء لسن أقل صدقية في رواية المعلومات عن الرجال» [77]. ذلك «أن علماء الحديث نظروا لصدقية الأحاديث لا إلى جنس الرواة» [143].

 

وحول مزاعم احتكار الرجال للفقه ووقوف النساء عند حد الحفظ والرواية، توصلت رودد لنتيجة تدحض هذه الدعوى النسوية إذ «لم تكن بعض الراويات مجرد إناء للعلم لأنه تمَّ التشديد على علم بعضهن وفطنتها» [182-183]. كما تدحض دعوى تجنيس الفتوى مشيرة لعدم اقتصار أولئك العالمات على التفقه والفتوى في أحكام النساء فقط، ومنهن عمرة بنت عبد الرحمن والتي لم تكن تفتي فقط في قضايا النساء [112].

 

ترى رودد من خلال دراستها لسير الفقيهات والمحدثات أن إنفاق أولياء المرأة عليها والذي كفله لها الإسلام ميزة تتمتع بها المرأة في مجال المعرفة [148].

 

ومن الملحوظات التي أشارت لها الباحثة في دراستها للتراجم: الزيادة المفاجئة للنساء المترجم لهن في تراجم القرن الخامس والسادس والسابع، مرجحةً أن تلك الزيادة تعود لزيادة عدد كتاب السير في تلك الفترة كما أن دراسة أولئك الكتاب على نساء كان له أبرز الأثر في تلك الزيادة، وقد أوردت الباحثة عدة أمثلة لعلماء أحدهم شكلت النساء ثلث شيوخه الذين تلقى عنهم العلم [133-148-150].

 

ومن الملحوظات الهامة التي رصدتها الباحثة في كتابها: انخفاض عدد النساء المذكورات في التراجم منذ القرن العاشر فما بعده. ومن الطريف أن الباحثة لم تسارع للتفسيرات النسوية المعهودة بل ذكرت أسبابًا أخرى ومنها: التأثير الغربي في كتابة السير في العصر الحديث والذي اتجه بها نحو العلمنة وتقديم الذات للآخر بالصورة التي يرتضيها ذلك الآخر أو تتسق مع تصوره للتميز النسائي

[45، 268،273].

 

ومن الملحوظات اللافتة كذلك والتي استخلصتها الباحثة من الحوادث والتفاصيل المذكورة في التراجم أن قبول النساء بأحكام على خلاف هواهن كان من باب الإخلاص لا من باب الإذعان للرجال، فالطاعة كانت وقبل شيء قضية تتصل بالإيمان لا الاستضعاف [90].

 

ومن خلال استعراض أدوار النساء في المعاجم ذكرت رودد ملحوظة تكررت في عدة مواضع من كتابها حول دعوى تقييد الحجاب للمرأة المسلمة والحد من دورها العلمي والاجتماعي والاقتصادي، مشيرة إلى أن حجم ونوعية حضور النساء في التراجم وإن لم يكنَّ قدوات بل بطلات أدوار ومساعٍ دنيوية يطرح تساؤلات حول أثر الحجاب في حياة النساء ويتحدى المفاهيم المسبقة، ومن ذلك قولها:

 

«إن الموضوع الذي ينشأ من تلك المادة الهائلة هو حدود عزلة النساء وهناك أسئلة تتعلق بأهمية فرض الحجاب، ولكن بعيدًا عن التفاصيل فإننا نتساءل عن المدى الذي أدت فيه هذه العزلة المزعومة للنساء إلى منعهن عمليًا من المشاركة في العديد من مساعٍ كانت مهمة بالمعايير الإسلامية والخارجية. وفي هذا المضمار كما في بقية الأمور فلابد من إعادة النظر في مفاهيمنا المسبقة عن النساء المسلمات» [46-47].

 

ورغم ذلك فلم تتمكن رودد من الانفصال التام عن خلفيتها المعرفية والثقافية فنلحظ في كتابها إشارات لما يشبه المسلمات لدى المستشرقين كالإشارة السلبية الواردة حول الوحدة البنيوية للقرآن الكريم، والتي علَّق عليها الدكتور العسكر بقوله: «هذه شكوى غير مبررة لدى الكثير من الغربيين الذين درسوا القرآن وتفاسيره» [72].

 

ويبدو من خلال ما ذكرته في كتابها أن تلك المسبقات التي وصفت بعضها بالحقيقة، والتحليل المنطقي، والصدقية، وغيرها من العبارات الدالة على قناعتها الراسخة بتلك الأفكار أخذت تصدم بالنتائج البحثية.

 

كما برز في الكتاب أثر الكتابات النسوية لمؤلفات مسلمات احتلت كتبهن مرتبة عالية من الأهمية وعُدت مراجع أساسية للدراسات المتصلة بالمرأة المسلمة في الغرب، ومن أشهرها وأهمها على الإطلاق كتابات فاطمة المرنيسي وليلى أحمد حول الإسلام والمرأة.

 

ومع هذا فقد توصلت المؤلفة لنتائج تخلخل الموثوقية التي اكتسبتها التحليلات النسوية لنسويات منتميات للعالم الإسلامي في الدوائر العلمية الغربية، وتؤكد المؤلفة عكسها أو تفترضه أحياناً لا من قبيل الدفاع عن الإسلام أو الاعتذار له -كما أكدَت سابقاً- بل من قبيل البحث عن الأسباب الأكثر منطقية وتجرداً من التحيزات المسبقة، فذكرت مثلاً «أن التفسير البديل لليلى أحمد للإسلام يتمتع بصدقية كبيرة لكنه ليس قابلاً للتطبيق في مجال الرواية» [173، 188].

 

كما ترى أن إشادة ليلى احمد بموقف الصوفية من المرأة والذي وصفته ليلى أحمد في كتابها بالصوت الأخلاقي بمقابل الصوت الفقهي البراجماتي الذكوري التقليدي، ترى رودد أن هذه الإشادة وما تنطوي عليه من تهم ينفيها ويقوضها دور الفقيهات والمحدثات المحجبات [277].

 

على أن الباحثة لم تتخلص تماماً من أثر كتابات النسويات الإسلاميات فنجدها تصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بـ(شخص مشهور بكره النساء)، وهو الوصف الذي تكرر لدى المرنيسي في كتابها الحريم السياسي، وعلَّق عليه العسكر في حاشية كتاب رودد بقوله: (ليس صحيحاً بل شدته في تطبيق أحكام الشرع على الرجال والنساء) [83].

 

كما نجد آثاراً للخلفية المعرفية والثقافية الغربية والنسوية منها بصفة محددة في تفسيرات الباحثة فإسقاط مفهوم الصراع شديد الوضوح في تحليلاتها كتفسيرها للعلاقة بين الرجال والنساء بالصراع حتى في مجال العبادة والتنسك فتحت عنوان (عدوانية التفوق الروحي) أشارت رودد للحس الاستعلائي لدى المرأة في حوارها مع الرجل وفسرته بقولها: «لقد كانت ردود تينك النساء لا تجسد الكبرياء في حالتهن الروحية وحسب، بل عدوانية تجاه الرجال الذين التقوا بهن، وهو ما يتعارض بوضوح تام مع نكران الذات والخضوع لله. إنهن يسخرن من الرجال الذين يشعرونهن بنقصهن» [218-219].

 

ويبدو أن الباحثة لم تفترض وجود هذا الأسلوب في الحوارات (الرجالية/الرجالية) التي تضمنتها تراجم الرجال إذ حجبها ذلك المفهوم فيما يبدو عن مجرد التفكير باستطلاعها !

 

كما نلحظ لدى الباحثة قصورًا في تصور ومعرفة الأحكام الإسلامية المتعلقة بالمرأة إلى جانب تأثير المفاهيم الغربية المتصلة بالمساواة والكتابات النسوية المشار إليها، إذ لم تفرق بين قبول خبر المرأة والشهادة في الحدود، فحين ذكرت موقف عمرة بنت عبد الرحمن والذي انتهى بعدم إقامة الحد على رجل سرق ما لا يبلغ حد القطع محتجةً بالحديث المعروف، اعتبرت رودد أن قبول حُجَّة عمرة في تلك القضايا؛ «يتعارض مع وجهة النظر التقليدية للفقهاء المسلمين التقليديين الذين حالوا دون إدلاء النساء بشهاداتهن في مقام الحدود» [113].

 

ورغم استخدام الباحثة لمفهوم النظام الأبوي بوصفة أداة تحليلية رئيسة في النقد النسوي للثقافة الإسلامية والتي تصنفها النسويات ضمن الثقافات الأبوية بلا جدال، فقد توصلت الباحثة لنتائج إيجابية فيما يتعلق بأهمية ما يسمى بالنسب شبه الأمومي في التراجم برهنت عليه من خلال عدة نتائج تتلخص في الاهتمام بنسب الشخصية المترجم لها من جهة المرأة (الأم، والجدة …)، على أنها شككت وذكرت الشكوك المحتفة بأحد الأعمال المصدرية القائلة أصلاً بوجود نظام أمومي في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ومنها كتاب وليام روبرتسون سميث (الزواج والقرابة في الجزيرة العربية القديمة)، والذي لا يزال مؤثرًا إلى اليوم بحسبها، فتقول: «وغالبًا ما تهمل حقيقة أن تحليل سميث الرائع دون شك يفتقر إلى دليل ملموس، وكما أشار متخصصون في الإسلاميات في زمانه إلى أن تأويله لبعض الحقائق موضع شك» [63].

 

وقد سبق وأن شككت كذلك الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفوار في هذه الفرضية من الأساس في كتابها الجنس الآخر والموصوف بـ(إنجيل الحركة النسوية)، إذ ذكرت فيه هذه الفرضية التي عرضها باشوفين ونقلها عنه إنجلز معتبرًا أن الانتقال من عهد سيطرة الأم إلى عهد سيطرة الأب انكسار تاريخي كبير للجنس النسائي، وقد سخرت بوفوار من افتراض وجود سيطرة حقيقية للنساء في الأزمنة البدائية وأردفته بقولها: «والحقيقة أن هذه الفترة الذهبية من تاريخ المرأة ليست سوى أسطورة».

 

والمفارقة الباعثة على التأمل أن الباحثات النسويات لم يساورهن شك حيال تلك الفرضية التي كانت محلاً للشك في البيئة المنتجة لها، بل أخضعن التاريخ الإسلامي بمجمله لهذه الفرضية الواهية كفاطمة المرنيسي التي بنت مقولاتها في كتاب (ما وراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية) على مقولات سميث [65].

 

وغاية ما يقال في كتاب النساء في التراجم الإسلامية أنه وعلى الرغم من هذا التذبذب الواضح في موقف رودد بين ثقافتين مختلفتين بمعاييرهما المختلفة والذي ترك أثره في الكتاب الذي أثرت فيه أيضًا الرؤية الاستشراقية، بمثل ما أثرت فيه الكتابات النسوية المقدمة للغرب، إذ لعبت الكتابات النسوية وما زالت تلعب دور الوسيط المعرفي للدارس الغربي لقضايا المرأة في الثقافة الإسلامية حتى صنفها بعضهم ضمن الدراسات الاستشراقية لوحدة منظورهما للإسلام، رغم ذلك فقد اشتمل الكتاب على نتائج حرية بالاهتمام، وإن لم تكن جميعها فريدة من نوعها، فقد سبق وأن قدم محمد عمارة تحليلاً موجزًا للحضور النسائي في التراجم الإسلامية وانتهى لنتيجة مفادها أنه:

 

إذا كانت ثمانية آلاف ترجمة للصفوة اشتملت على ألف ترجمة نسائية فمعنى هذا أن التحرير الإسلامي للمرأة والذي تمَّ في أقل من ربع قرن من الزمان دفع بواحدة من كل ثمانية لمراكز الريادة وهي أعلى نسبة للريادات النسائية في أي ثورة من ثورات التحرير أو نهضة من النهضات.

المزيد من المقالات