نتحدث هنا عن الثقافة ونعني بها الطرق التي يجعل الناس من خلالها حياتهم ذات معنى عن طريق التواصل بينهم، فهي كل الممارسات المعاشة التي تسهم في قصص الحياة للناس والتي يفسرون من خلالها وجودهم.
فهل يمكن لها بهذا المفهوم أن تُصنع؟!
أي تُبنى من خلال مسارات منظمة للحصول على شكل محدد يلائم مخيلة المُنتِج له!!
كان «أدورنو» و«هوركهايمر» هما أول من استخدم هذا المصطلح، وكلا الفيلسوفين عضوان مؤسسان لمدرسة فرانكفورت؛ التي كانت مدرسة في النظرية الاجتماعية والفلسفة النقدية. طبقاً لأدورنو، «صناعة الثقافة»: هي تلك السلع الاستهلاكية التي تنقل الأفكار والرموز وطريقة الحياة، كونها تقوم بالإشعار أو الترفيه أو المساهمة في بناء الهوية والتأثير على الممارسة الثقافية.
حيث تُنمّط الثقافة عبر تلك المؤسسات التي تشارك بشكل مباشر في إنتاج المعنى الاجتماعي، بما فيها الإعلان والتسوق، والبث الاذاعي والتلفزيوني، والأفلام، والطباعة، والإصدارات الالكترونية، وصناعة الموسيقى، والفيديو وألعاب الحاسوب، وغيرها من السمات الحدودية الفاصلة مثل الأزياء، والرياضة، والبرمجيات الحاسوبية.
فهي نظام من «تنوير خادع للجماهير» تكوّن بواسطة الفيلم والصحافة والراديو والتلفزيون التي أصبحت نظاماً قائماً بذاته، وموطن اهتمام «أدورنو» كان منصباً على السلطة والهيمنة الأيديولوجية المتاحة عبر الإعلام الواسع. ففي جميع قطاعات الثقافة تبرز «الرتابة والتماثل في الثقافة القائمة»، فهي تسعى إلى كبح ما هو أصلي وخلق نسخة موحدة ومتجانسة لها، حيث تفرض طرائق إنتاج تمارس دورها في كل مكان بإنتاج أمور منمذجة تقوم على ما يفترض من حاجات المستهلكين، رغم أنها تقوم على وحدة جذرية لا يدركها الجمهور، فنظام صناعة الثقافة يقرر ألا يدع شيئاً ينتج أو يمر ما لم ينسجم مع المعايير التي يضعها؛ أو مع الفكرة التي يضعها عن المستهلكين. وفي الاقتصاد؛ فهو يشير لجميع الشركات والمشاريع المنتجة للسلع طبقا للطرق الصناعية، هذه السلع لها قيم أساسية تكمن في محتواها، مثل الأفلام والموسيقى والكتب.
إن زيادة التكنلوجيا قاد إلى إنتاج واسع، وإن إنتاج «صناعة الثقافة» لا يعني أي شيء أكثر من سلع، المواطنون بكونهم مشاهدين للعالم المثالي المتجسد أمامهم بالإعلانات والأفلام ينسون واقعهم الخاص ويصبح من السهل استغلالهم، لم تعد هناك رغبة للفرد وإنما «وعي فريق الإنتاج»، وهو الذي يرسم ويضع للمستهلكين الأطر بما يسمح لهم اغتنام الواقع.
فحبكات الأفلام والموسيقا القابلة للتنبؤ ستشبع جمهوراً سلبياً يفتقد المعرفة أو الوقت أو الطاقة للاستمتاع بأشكال ثقافية أكثر ابتكاراً وتحدياً، فهي ليست مجرد استجابة لمطالب الجماهير بل صناعة للثقافة تعمل كوسيلة فاعلة للضبط الاجتماعي، وتوفر التطهير العاطفي والراحة من الملل لتهدئة الجموع الغفيرة.
فالصناعة الثقافية (أو الثقافة المنتَجة) هي تكوين ثقافة تصنع بذكاء وتركيز التغير الاجتماعي عبر إيجاد نماذج متعددة الأشكال تدفع الأفراد لمحاكاتها من خلال تحفيز دوافع التقليد الغريزية المكبوتة. ويشترك معهما منظرون نقديون آخرون بأنها «ثقافة مدارة» وغير عفوية، ومجسدة، وزائفة وليست شيئاً حقيقياً. وأكثر ما يقلقهم بشأنها أمران:
الأول:
زيفها؛ فهي مجموعة من الأفكار المعلبة مسبقاً، التي يتم إنتاجها ونشرها من خلال وسائل الإعلام على نطاق جماهيري واسع.
والثاني:
تأثيرها المهدئ والمخدر بل والقمعي على الناس؛ فهي الطريقة الوحيدة المتاحة للدول «الديمقراطية» الرأسمالية للتعبير عن ميولها غير الإنسانية بأسلوب أكثر رقة ولكنه ليس أقل تدميراً، وغدا تنظيم الحياة كلها عبر صناعة الثقافة هو الشكل الأشد إتقاناً للشمولية والأسوأ نوعية. فهي تقوم على إخضاع «زبائنها» لا خدمتهم، عبر تطبيع يجتاح كل من يقف ضده بأشكال عنف متنوعة، فالناس يخضعون يومياً للجهاز المتحكم في الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، والسياسة، والوقت الحر، فهي صناعة كلية تجعل من جمهورها لا يعرف أي شيء خارج التأثيرات، حيث صار لزاماً على العالم أن يمر عبر مصفاة الصناعة الثقافية.
وأهمية ذلك أن السياسة والاقتصاد؛ وحتى الحرب، إنما تتم اليوم تحديداً من خلال [صناعة] ثقافة الجماهير التي تتحكم في أذواق الناس واستهلاكهم ومتعهم ورغباتهم وتسلياتهم، ومفاهيمهم وتمثلاتهم، وأهوائهم وطرق تخيلهم، قبل التحكم في أفكارهم السياسية وتوجيه أوقاتهم. فالفرد بذلك يفوض مسؤوليته أكثر فأكثر إلى منتِج الصناعة الثقافية، حيث يتبعون إرادياً قواعد مجتمع معين لكي يدوم وهو يقترح لهم «العيش الحسن». وهي تنتج رأياً منمذجاً دون منافس؛ رأيا يصنع صوراً حقيقية عن العالم، فكل ما يقال؛ كل معلومة أو فكرة .. كل ذلك قد تم إعداده مسبقاً من قبل مراكز الصناعة الثقافية.
إنها تُخضع زبائنها لنفسها، ولا تتكيف مع الطلب بل تخلقه، وكل ما عدا ذلك من الآراء فهو إما خاطئ أو غير محتمل.
وبحسب «قرامشي» فعملية الضبط عملية جزيئية تنساب لا كصدام بل بصفتها تبدلات غير مرئية، وبجرعات صغرى، في آراء كل إنسان وأمزجته ووعيه، فالصناعة الثقافية تستند إلى نواة المجتمع الثقافية التي تضم في ذاتها جملة التصورات عن العالم والإنسان، عن الخير والشر، عن الرائع والمنفر، جملة الرموز والصور، التقاليد والآراء المسبقة، معارف العديد من القرون وتجاربها .. وذلك من خلال التأثير في الوعي الاعتيادي اليومي، في أفكار الإنسان المتوسط «الصغيرة». لقد عمدت الصناعة الثقافية إلى السيطرة على المحيط بتوحيد مقاييس له، وذلك عبر الضغوط الانتقائية على المنتجات الثقافية، التي تتجه نحو دفعها لتصبح أكثر تشابهاً مع مرور الوقت.
ورغم تعرض حجج هذه النظرية للنقد اللاحق حول مدى انخداع الناس بمنتجات صناعة الثقافة إلا أن ذلك كان قبل تعاظم أذرع الرأسمالية العالمية ونظام السوق والعولمة، وأما بعد طغيانها الراهن فيبدو أن منظور «أدورنو» و «هوركهايمر» يعد استشرافاً تنبؤياً؛ أثبت أن ما عليه العالم الرأسمالي اليوم تجاوز الصورة التي وصفوها، حيث تغلغلت صناعة الثقافة اليوم عبر أدوات وملامح حضور مُكَينة ومنها:
الهيمنة على المجال العام
المجال العام أو الفضاء العمومي هي تلك الميادين من الساحات التابعة للأماكن العامة التي يمتلك فيها كل الأفراد حق الدخول المشروع، فهي المجال الذي يجتمع فيه الأفراد كجمهور دون اعتبار الفوارق الاجتماعية، ليناقشوا القواعد العامة والمسائل ذات الاهتمام المشترك، ويساهموا في تشكيل الرأي العام في جو ينتفي فيه الإكراه والتبعية.
حيث تدعم الصناعة الثقافية سيطرة الحياة الخاصة على المستويات العمومية، ومن خلال المصالح التجارية والترفيه الجماهيري والتكنوقراط [الفنيون والتقنيون والاختصاصيون]. وعلى حد وصف «هايبرماس» فإن الجماهيرية الليبرالية لدول الرفاهية تهدد بتقويض إمكانية الفعل والتأثير للمجال العام، وتحويله للمجال الخاص، بحيث يعاد تشكل «الروح العامة» من خلال سيطرة الاهتمامات الخاصة، ويتحول المواطن في هذه الحالة إلى شخص تابع. عدا كون الصناعة الثقافية تخترق وبعمق الدوائر الحميمية والخاصة، فتصبح مشاكل الحياة الخاصة معروضة على العامة.
تعبئة أوقات الفراغ والعمل
الصناعة الثقافية تقوم كذلك بضبط نظام السلوك في عالم العمل؛ فهو مشبع بالثقافة خاصة في شكل العمل المأجور، وتغطي أخلاقيات الثقافة المنتَجة مجال المهنة، فيحاول أرباب العمل إدارة ثقافات أماكن عملهم لمحو أثر الهويات الثقافية التي قد لا تناسب مقام العمل، فهو شكل جديد من «العقلانية الحكوموية» الهادفة إلى تغيير ذاتيات العمال بحيث يجري تصور حيواتهم نفسها وممارستها على أنها مشروعات. توظف الحكومات صناعة الثقافة ليس فقط من أجل تشجيع العمل عبر ربط التمويل بشروط «المحاسبة» وإنما كي تحدد سبل الحياة والقيم.. وبحسب «أدورنو» فإن الكتالوج المُعلَن والخفي لما هو ممنوع أو مسموح به قد بلغ حداً من الاتساع بحيث لا يترك قطاعاً حرًا بل هو يشمل القطاعات كافة.
صناعة التسلية
على الرغم من تذمر بعض الحيوانات، بعيداً عن مسامع الخنازير والكلاب، إلا ان معظمها يستمتع بهذه الاحتفالات، ويعدها تعبيراً حقيقياً عن الحرية والسيادة، وتنسى الحيوانات ولو لبعض الوقت، «أن بطونها خاوية وأرزاقها شحيحة»
[مزرعة الحيوان/جورج أورويل]
تظل الصناعة الثقافية صناعة تسلية، فقد حررت التسلية من السذاجة وطورتها كبضاعة تسوَّق، فهي تمارس سلطتها على المستهلك وينتهي بها الأمر بالعدوانية تجاه ما هو أبعد منها. الصناعة الثقافية تمتلك حياة الذوات؛ حيث إن «الوقت الحر» أصبح مهماً بشكل خاص، فهو أشبه بوقت العمل لأنه مشغول بالترفيه الذي لا يعرف المتعة بل التجلي والمنافسة والنتيجة، فالرأسمالية المتقدمة تعد التسلية امتداداً للعمل، إذ أن الأتمته قد بسطت سلطتها على الانسان في وقت فراغه وسعادته.
لقد عرف الجمهور تحت تأثير الاستهلاك الجماهيري تحولاً جعل من «المتعيّة» قيمة مركزية في الثقافة، فأصبحت المتعة وتحفيز الحواس قيماً مهيمنة على الحياة اليومية. لقد جعلت صناعة الثقافة المتع مشروعة أساساً في المجتمع، وموضوعات للخبر والإثارة؛ فلم تعد منبوذة بل ارتفعت قيمتها ووضع لها المعايير. لقد ذابت التسلية في الثقافة فأفسدتها، ثم غدت ركيزة ثقافية بالقوة، وأصبحت غاية امتثالية يمتدح عليها المجتمع: أن تتسلى يعني أن تكون موافقاً.
لقد أدت إلى سيل من المطالبات بالحرية، والتي ظهرت في كل المجالات، في الحياة الجنسية والأسرية (جنس وفق الطلب، تربية ليبرالية، نمط حياة متحرر من إنجاب الأولاد)، وفي اللباس والرقص، وفي الأنشطة الجسدية والفنية، وفي التواصل والتعليم، وفي الشغف بوسائل الترفيه وتزايد الوقت الحر ..
عدا كونها تعني دائمأ ألا تفكر في شيء، وأن تنسى العذاب حتى حين يبدو ظاهراً للعيان، إنها توطين للعجز، وهروب من آخر إرادة في المقاومة، وما تعِد به من التحرر هو التحرر من التفكير، ففي عصر الرأسمالية المتقدمة تصبح الحياة طقساً دائماً من الاحتفالات.
ووفقاً لتشومسكي يعرض علينا التلفاز سلسلة من البرامج الواهية مصممة للترفيه، في حين أن وظيفتها هي تشتيت ذهن العامة لجعلهم غير قادرين على فهم مشكلاتهم الأساسية، أو تحديد مصادر مشكلاتهم، وتعمل مقابل ذلك على تأهيله ليصبح مستهلكاً جيداً من خلال ترفيه خال من العقلانية يدفع الشعب ليتكيف لأن تقوده الانفعالات والاندفاعات، وتصبح طريقة فعالة للتعامل مع حياة خاوية من الإنجاز.
الإباحية وإثارة الغرائز
السياسة الحديثة قامت على استقلال الدولة عن الأخلاق، فاستعاضت عن الأخلاق العامة بمراقبة القوانين المُشرَّعة في الجهات السياسية التشريعية، فالسياسة الحديثة بمختلف أشكالها تخرج السياسة من مفهوم الخطيئة؛ بل وتخرج الضمير، وتحل محله مفهوم الحق «مسموح كل ما لا يحرّمه القانون».
كما أن ضرراً آخر لحق بالسياسة الحديثة من قبل الفرويدية التي أرجعت الجانب الروحي كله إلى مستوى يقع دون العقل، ودون التفكير العقلاني، وعليه فقد فتح المجتمع المعاصر من خلال استبعاد مفهوم الخطيئة فجوات العيب محولاً إياه إلى بيزنس مقبول أخلاقياً. أدى انتشار اللاأخلاقية في المجتمع إلى تليين النواة الثقافية التي كانت سداً للتلاعب، فالتلاعب بالإنسان ذي الأخلاق المقوضة سهل .. يكاد يكون النمط الإعلاني أحد أكثر الأنماط رواجًا، إذ يستغل المعلن مساحة الحرية التي يتيحها النظام الليبرالي المهيمن عالميًا في العبث بغرائز المتلقي لتلقينه ما يريد.
تدفع الإباحية للقفز على النظام القديم القائم على القانون والمحظور، وإلغاء النظام الإكراهي القائم على الرقابة والكبت؛ في سبيل مشاهدة كل شيء وفعل كل شيء. إن الذي أدى إلى الإباحية هو ثقافة «كل شيء مسموح به» والرغبة في الذهاب أبعد في كل مرة، والبحث عن تدابير لم يسمع بها من قبل، وتأليفات جديدة في تصرف حر بالجسد، والمبادرة الحرة في ممارسة الجنس، يُعَدّ جسمك هو أنت، وبالتالي ينبغي الاهتمام به وعشقه وإظهاره، عبر إضفاء كرامة وكمال على الجسد.
عالم السوما - عالم جديد شجاع
كان الواقع المرير الذي حكاه «ألدوس هكسلي» في روايته «عالم جديد شجاع» هو الشمولية التي تقنعت بحرية الاختيار، انعكست هذه الفكرة القوية؛ بأنه إذا كان عامل ما يلبي حاجاتنا فإننا نصبح عبيداً له. يشرح هكسلي طبيعة المجتمع المستقبلي، وكيف تتم السيطرة على البشر عن طريق المتعة، حيث يلغى الزواج فلا تتكون حياة عائلية ولا توجد ولادة طبيعية بل يتم تلقيح البويضات الصناعية وخلق الأجنة في داخل الأجهزة، وما بعد الولادة الاصطناعية يتم تحديد مصير كل طفل منذ نعومة أظافره في المجتمع، حيث يتم إجباره على التصرف بشكل محدد بالاعتماد على مبدأ الثواب والعقاب، ككره الأزهار عن طريق صعقهم عند الاقتراب منها، أو قتل الفضول لديهم بالعقوبة، ومنعهم من قراءة الكتب، وفي مرحلة المراهقة يجبر الجميع على الاختلاط بين الجنسين؛ من أجل رفع الخجل وإباحة الجنس.
هذا المجتمع الذي وصفه هكسلي بالتفصيل منغمس في الملذات بحيث يعجز عن التفكير، ويعتمد بشكل كبير على تعاطي عقار يسمى السوما؛ والذي يجبر الجميع على تناوله كوسيلة للهروب من الواقع وإعطاء نشوة مصطنعة.
في الأجيال القادمة لهكسلي ستكون المجتمعات عبارة عن معسكرات اعتقال بلا تعذيب، لكنها ظاهراً تسمى بتجمعات مدنية، ستسلب الحريات الفردية من الجميع لكنهم سيرضون بالعيش من دونها، حيث ستعجز الغالبية عن فهم معنى الحرية .. كل ذلك ستضمنه المتعة واللهو أو استعمال العقاقير. والانحراف الجنسي وسيلة أخرى لصناعة الثقافة حيث الحفلات الماجنة والانحلال الأخلاقي المنظم تحت شعار«الكل ينتمي للكل»، حيث تشبع الرغبات الغريزية للأفراد بمعزل عن مؤسسة العائلة أو الزواج والتي يجبر الجميع على كره الفكرة منذ سن مبكر. فما كان يخشاه هكسلي ليس منع تداول الكتب بل عدم وجود داع لنشر الكتب، وليس الخوف من حجب الناس عن الحقيقة ولكن غرقهم في حقائق تافهة بعيدة عن المشكلة الحقيقية، وليس السيطرة على الشعوب عن طريق الألم؛ بل عن طريق المتعة، وليس الخوف هو الذي سيحطمهم بل الشهوة هي التي ستحطمهم!!
وكما ألمحنا قبلاً عادت نظرية «صناعة الثقافة» للواجهة بعد تفاقم إدارة الثقافة من قِبَل السوق، واستعادها «زيجمونت باومان»، مؤكداً على الهدف الأسمى للنقد الاجتماعي الذي قاده أدورنو ورفقاءه هو التحرر الذي يرمي إلى تنمية الأفراد المستقلين الذين يحددون اتجاهاتهم ويقررون اختياراتهم بأنفسهم وبكامل وعيهم.
كما حاججت «حنه أرندت» أن الثقافة تضطلع بالعلو فوق الوقائع الراهنة، فهي لا تنشغل بما ينشغل به الناس اليوم من أولوية اللحظة وضرورتها، بل تصارع من أجل تحرير نفسها من ضروراتها ومقتضياتها. كما تؤكد أن الاستعمال الفوري والذوبان في عملية الاستهلاك الآني ليسا غاية الأعمال الثقافية ولا معيار قيمتها.